Arabic  Chinese  Deutsch  English  French  Russian  Spanish 

 ©1986, 1990 & 2002 John Petroff;  Translation 2007 Rehab El-Shanshoury

 

الفصل التاسع:

السياسة المالية

 

يتمثل الهدف من هذا الباب في التعرف على السياسات الواجب اتباعها في حال حدوث ركود اقتصادي أو تضخم كما يعرض الدرس حدود هذه السياسات و من ضمنها السياسات المالية غير الاختيارية.

السياسة المالية
تقوم السياسة المالية على استخدام الضرائب والإنفاق الحكومي بغرض السيطرة على النشاط الاقتصادي لبلد ما؛ و هو ما نص عليه صراحة قانون التوظيف الأمريكي لعام 1964، و ورد في قانون همفري هوكنز لعام 1978.

و في عام 1981، أطلق على التعديلات الضريبية التي جرى التصويت عليها في مجلس الكونجرس الأمريكي قانون ضريبة الإنعاش الاقتصادي، و هو ما يوضح جليا أنّ الحكومة الأمريكية تستخدم الضرائب كأداة للتحكم في اقتصادها. وبناء عليه، تنحصر السياسة المالية الأمريكية في الإنفاق الحكومي، و التعديلات الضريبية.

زيادة الإنفاق الحكومي
يعتبر الإنفاق الحكومي عنصرا إضافيا من العناصر المكونة للإنفاق الكلي. ويمكن أن تستمد فوائد الأثر المضاعف من الزيادة غير المتكررة في الإنفاق الحكومي من أجل مواجهة الركود الاقتصادي، مثلما كانت الحال مع برنامج العقد الجديد في عهد الرئيس الأمريكي روزفلت. و في تحليل التسرب - التمويل، يعد الإنفاق الحكومي تمويلا كما أنه يسهم في تحريك الاقتصاد إلى مستويات أعلى من التوازن.

و قد كانت هيئة وادي تينيسي التي أسست في الثلاثينيات تضم مجموعة من المشاريع الرئيسية المتعددة التي توفر الآلاف من فرص العمل الجديدة. و شكل هذا المصدر الجديد للدخل، و الزيادة في الإنفاق الكلي، حافزا كبيرا لإخراج الاقتصاد الأمريكي من حالة الكساد الكبير التي كان يمر بها.

زيادة الضرائب
تؤدي زيادة الضرائب إلى تقليص حجم الدخل المتاح للمواطنين، و بالتالي خفض الإنفاق الكلي. و إذا افترضنا أن الزيادة في الضريبة على الدخل كانت نتيجة لفرض ضرائب جزافية، فإن الإنفاق الكلي سوف يسلك اتجاها هبوطيا على نحو مواز. و قد تكون زيادة الضريبة مبررة في حال حدوث فائض في الطلب يسبب التضخم. و في تحليل التسرب - التمويل، تمثل زيادة الضريبة نوعا من التسرب يضاف إلى الادخار.

و في أواخر الستينيات, فرضت الولايات المتحدة ضريبة إضافية و كان الغرض منها خفض حجم الأموال التي تصب في خانة الإنفاق الكلي، أي خلق أثر مضاعف سلبي، حيث كان الاقتصاد الأمريكي يواجه آنذاك تضّخما متزايدا.

مضاعف الموازنة المتوازنة
تعتبر الموازنة متوازنة إذا كانت الزيادة في الإنفاق الحكومي مساوية تماما للزيادة في الضرائب، أما إذا كانت الزيادة في الإنفاق الحكومي و الضرائب متزامنة فإن الموازنة لا تعتبر متوازنة بل توسعية.و يكمن السبب وراء الزيادة في الناتج في أن الضرائب تخفض مستوى كل من الاستهلاك والادخار، و بذلك يكون الانخفاض في الناتج الناجم عن الضرائب أقل من الزيادة في الناتج بسبب الإنفاق الحكومي الإضافي. عندئذ تصبح قيمة مضاعف الموازنة المتوازنة واحد.

و في معظم العقود الأولى من القرن الماضي، اعتقدت الإدارات الأمريكية المختلفة أنه يجب موازنة الموازنة بحيث أن أيّ زيادة في الإنفاق يجب أن تواكبها زيادة في الإيرادات الضريبية. و طوال تلك الفترة وحتى العام 1930، نما الاقتصاد الأمريكي بخطوات سريعة جدا. غير أنه في حقبة الثلاثينيات, انتهت سياسة موازنة الموازنة بانخفاض الإنفاق الحكومي مما أدى إلى ركود الاقتصاد بدلا من تحفيزه.

السياسة المالية الكينيزية
يوصي كينز بانتهاج سياسة مالية توسعية عندما يكون النشاط الاقتصادي في حالة ركود و ذلك من خلال تخفيض الضرائب وزيادة الإنفاق الحكومي، و لكنه يوصي بعكس ذلك في حالة حدوث تضخم.

و قد تبنّت جميع الحكومات الغربية العديد من الإجراءات التي تدعو صراحة إلى استخدام الضرائب والإنفاق للسيطرة على النشاط الاقتصادي و الدليل على ذلك ما جاء في قانون العمالة الأمريكي لعام 1946.

فعّالية السياسة المالية
قد تكون السياسة المالية التوسعية أقل فعّالية من اللازم في حال حدوث تزاحم إنفاقي، حيث تفضل الحكومة تمويل الإنفاق من خلال الاقتراض بدلا من الضرائب أو الإصدارات النقدية الجديدة، أيضا قد تكون مكافحة التضخم غير فعّالة -مع انخفاض الإنفاق و زيادة الضرائب- إذا تم استخدام الفائض في الموازنة في إعادة سداد ديون الدولة.

و لم يسهم قانون الضريبة الإضافية الذي صدر في أواخر الستينيات بغية مكافحة التضخم إسهاما فعّالا في الحد من ارتفاعه؛ حيث أن العائدات قد تم إنفاقها على الفور على حرب فيتنام.

أثر المزاحمة
يحدث أثر المزاحمة عندما تقوم الحكومة بالاقتراض، وتتقلص استثمارات القطاع الخاص إذ يتم منح القروض إلى الحكومة بدلا من القطاع الخاص الأعلى مخاطرة. و من ثم، فإن أثر المزاحمة يتمثل في إحلال الإنفاق الحكومي محل استثمارات القطاع الخاص التي قد تكون مرغوب فيها أكثر.

و قد كانت أسعار الفائدة في الولايات المتحدة أعلى من تلك الموجودة في الدول الغربية الكبرى طوال الفترة الممتدة بين عامي 1970 و 1980. و من ضمن أسباب ارتفاع هذه الأسعار، ارتفاع الدين العام و الذي يتوجب سداده بصفة منتظمة. و قد تعين على الخزانة الأمريكية تقديم عائد مرتفع بما فيه الكفاية على إصداراتها من السندات من أجل بيعها. و قد اعتبر هذا الارتفاع في أسعار الفائدة المرتفعة مسؤولا عن البطئ في نمو الاقتصاد الأمريكي خلال تلك الفترة.

حالات تأخر السياسة المالية
قد تقل أيضا فعّالية السياسة المالية بسبب حدوث العديد من حالات التباطئ أو التأخر في تأثير السياسة المالية. و يرتبط الإدراك المتأخر للركود بتحديد ماهية المشكلة الاقتصادية الحقيقية، كما ينشأ التأخر الإداري من الوقت الذي تستغرقه الحكومة لسن التشريعات اللازمة لمواجهة هذا الركود، في حين ينجم التأخر العملي من الوقت الذي تستغرقه التغييرات الضريبية لكي تتحقق و تصبح ملموسة.

و أصبح كندي رئيسا للولايات المتحدة في عام 1960، أي في منتصف فترة التباطئ المعتدل في النمو الاقتصادي الأمريكي. و قد طلب من فوره تخفيض الضرائب عملا بسياسة كينيزي المالية. و مع ذلك، لم يتم إصدار قانون خفض الضرائب حتى عام 1964 كما أن تأثيره لم يظهر حتى بعد بضع سنوات. و في ذلك الوقت، بدأ الاقتصاد الأمريكي يعاني من مشكلة التضخم و هنا برزت الحاجة إلى تطبيق سياسة مغايرة لمواجهة هذا التضّخم.

السياسة المالية غير الاختيارية
يشير مصطلح السياسة المالية غير الاختيارية إلى برامج الإنفاق الحكومي والضرائب المختلفة و المستمرة و التي وضعت أساسا بغرض صيانة الدخل. و هي عموما نادرا ما يتم تغييرها. و تشتمل هذه البرامج على برامج الضمان الاجتماعي، و الرعاية الاجتماعية، و التعويضات عن البطالة.

و تعتبر إعانات البطالة مثالا نموذجيا للسياسة المالية غير الاختيارية. هذه الإعانات ترتفع حتما مع ارتفاع عدد العاطلين عن العمل، و هو ما يحدث بطبيعة الحال خلال فترة الركود الاقتصادي. وهي تنخفض حتما عندما يجد العاطلون عن العمل فرصا للعمل خلال فترة الانتعاش الاقتصادي.

الاستقرار التلقائي
تتمثل وظيفة السياسة المالية غير الاختيارية في كونها عامل استقرار تلقائي للاقتصاد، حيث أن الاقتصاد عندما يكون في حالة ركود، تميل المصروفات إلى الزيادة، في حين تقل حصيلة الضرائب من جراء انخفاض الدخل. و يرتبط الفائض خلال فترات الازدهار والعجز في فترات الركود الاقتصادي بالسياسات و القوانين التي يتعين تطبيقها من أجل تصحيح الأوضاع الاقتصادية القائمة (و إن كان تصحيحا غير كاملا)

و عندما تبلغ معدلات البطالة ذروتها، يرتفع مستوى إعانات البطالة التي تمنحها الحكومة. و من ثم، تعوض إعانات البطالة الانخفاض في دخل العاطلين عن العمل. غير أن هذه الإعانات لا تشكل سوى جزء صغير من الدخل الناقص و بالتالي فإن هذه الإعانات ليست إلا إجراءات تصحيحية جزئية.

موازنة العمالة الكاملة
و لما كان عامل الاستقرار التلقائي للسياسة المالية غير الاختيارية يخلق عجزا أو فائضا غير كافيا في الموازنة، فإن ذلك يقتضي تحديد أبعاد الإجراءات الإضافية التي سيتم اتخاذها و ذلك من خلال موازنة العمالة الكاملة، التي تقدر حجم الفائض أو العجز في فائض الموازنة في حال كان الاقتصاد عند مستوى العمالة الكاملة.

و في الفترة ما بين عام 1970 و1980، كانت الموازنة الأمريكية في حالة عجز. و في تلك الفترة الزمنية، و نظرا لارتفاع معدلات البطالة في منتصف السبعينيات و أوائل الثمانينيات؛ شهدت موازنة العمالة الكاملة فائضا (لأنه إذا كان العاطلون قد عملوا خلال تلك السنوات، لكانت الضرائب التي سيدفعونها أعلى من النفقات). و من ثم، يمكن تبرير ارتفاع العجز الفعلي للموازنة.

العبء المالي
يحقق الاستقرار التلقائي للسياسة المالية غير الاختيارية فائضا خلال فترات الازدهار الاقتصادي. غير أن هذا الفائض قد يشكل عائقا أو عبئا على النمو الاقتصادي (خاصة إذا كان هذا النمو الاقتصادي مرغوب فيه).

و من بين البرامج المهمة التي يتضمنها برنامج العقد الجديد، قانون الضمان الاجتماعي الأمريكي، حيث كان عدد المتقاعدين المستحقين للمعاشات في ذلك الوقت قليل في حين تم تحصيل الاشتراكات من جميع الرواتب.و نتيجة لذلك، حال قانون الضمان الاجتماعي دون تعافي الاقتصاد الأمريكي من الكساد الكبير بخطا أسرع.

العجز في الموازنة
يحدث عجز في الموازنة عندما يكون الإنفاق الحكومي أعلى من الإيرادات الحكومية. و كانت الموازنة الاتحادية الأمريكية تشهد في كل عام عجزا باستثناء عقدي السبعينيات والثمانينيات. و يعزى هذا العجز في الموازنة أساسا إلى تطبيق السياسات الكينزية التوسعية. و على أية حال، استمر العجز في الموازنة في الارتفاع إلى مستويات أعلى خلال فترة الثمانينيات، كنتيجة للتخفيضات الضريبية الناشئة عن اقتصاديات العرض. عندئذ أصبح تخفيض العجز في الموازنة بمثابة أولوية سياسية (ومثال على ذلك: قانون جرام رودمان هولينجز ).

فلسفة الموازنة
تقوم فلسفة الموازنة على تحقيق توازن سنوي في الموازنة و هي فلسفة غير شائعة لأنها تواكب المتغيرات الاقتصادية و تتأثر بها أي أنها تجعل مراحل الدورات الاقتصادية أسوأ. و تعود الفلسفة الوظيفية للموازنة (السماح بحدوث عجز إذا لزم الأمر) إلى نظرية العمالة الكينزية (و التي أدت إلى ارتفاع مفرط في الديون). لذا، تعد فلسفة التوازن الدوري للموازنة الاقتراح البديل في أغلب الأحيان.

و ظهرت التأثيرات الأكثر تدميرا لفلسفة توازن الموازنة من خلال جهود إدارة هوفر لموازنة الموازنة في أوائل الثلاثينيات في الولايات المتّحدة ( بالإضافة إلى جهود مماثلة في بريطانيا العظمى). و أسهم تخفيض الإنفاق الحكومي إلى حد بعيد في زيادة حدة الكساد الاقتصادي الكبير.

الدين العام
أدى العجز المستمر في الموازنة الأمريكية خلال عقدي السبعينيات و الثمانينيات إلى ارتفاع كبير في الدين العام (ارتفاع تجاوز 2.000 مليار دولار في أوائل التسعينيات). و ناقش الاقتصاديون مدى تأثير هذا الدين على الأوضاع الاقتصادية الجارية (بفعل أثر المزاحمة) وتلك المستقبلية (من حيث ضرورة تسديد هذه الديون).و كانت التأثيرات الأكثر ثبوتا تتمثل في الحاجة إلى خدمة الدين العام (أي تسديد فوائد الدين) بالإضافة إلى التهديدات الخارجية حيث يمتلك الأجانب نسبة كبيرة من هذا الدين وبالتالي فهم قادرون على التأثير على سعر صرف الدولار.

و من وجهة نظر بعض الاقتصاديين، يعزى انهيار سوق الأوراق المالية الأمريكية في التاسع عشر من أكتوبر/تشرين الأول عام 1987 جزئيا إلى ارتفاع الدين العام. و يعود السبب في ذلك إلى أن الحاجة إلى تقديم أسعار فائدة أعلى بغرض إعادة تمويل الدين قد أدت إلى ارتفاع معدل التضخم مجددا. و أدى ارتفاع أسعار الفائدة إلى انخفاض قيمة الأصول المالية كما دفعت المستثمرين إلى بيع أسهمهم، مما قاد الأسعار إلى الانخفاض أكثر.

السياسة المالية والسياسة
يتولى المسؤولون المنتخبون رسم وتخطيط السياسة المالية للبلاد. و بالرغم من أن الاستقرار الاقتصادي يعتبر من أهم الأهداف التي تسعى الحكومة إلى تحقيقها، فإنه لا يعد الهدف الوحيد، حيث توجد أهداف أخرى مهمة تأخذها الحكومة بعين الاعتبار ضمن القضايا السياسية و منها الأمن القومي، و توفير السلع العامة والخدمات، وإعادة توزيع الدخل. غير أنه ثبت بالدليل أنّ المسؤولين المنتخبين غالبا ما يهتمون بإعادة انتخابهم أكثر من الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي للبلاد.

السياسة المالية والسياسة
و في أغلب الأحيان تُطبق السياسات المالية التوسعية مثل تخفيض الضرائب، و زيادة الإنفاق الحكومي قبل إجراء الانتخابات بغية تحقيق مؤشرات اقتصادية إيجابية. و بالرغم من ذلك، تتسبب السياسات المالية التوسعية في حدوث تضّخم، وعقب انتهاء الانتخابات مباشرة تبدأ الحكومة في تطبيق سياسة مالية انكماشية. و بالإضافة إلى ذلك, تميل السياسات المالية التوسعية إلى زيادة العجز في الموازنة.

أثر الصادرات الصافية
يقلل أثر الصادرات الصافية من فعالية السياسة المالية. و عادة ما ينخفض صافي الصادرات في حال تطبيق السياسة المالية التوسعية مما يؤدي إلى تناقص الناتج الكلي. هذا الانخفاض في الناتج الكلي يكبح جماح السياسة المالية التوسعية جزئيا. و في المقابل، عادة ما يؤدي تطبيق السياسة المالية الانكماشية إلى ارتفاع الصادرات الصافية و بالتالي زيادة الناتج الكلي التي تفضي بدورها إلي التقليل جزئيا من فعالية السياسة المالية الانكماشية.

مؤشر المؤشرات الاقتصادية الرئيسية
يستخدم مؤشر المؤشرات الاقتصادية الرئيسية للحؤول دون التأخر الإدراكي للركود الاقتصادي أو تقصير أمده. هذه المؤشرات تمد الاقتصاديين بالمعلومات التي تبين توجهات الاقتصاد، غير أنه لا يمكن لمؤشر اقتصادي واحد أن يتنبأ بالاتجاه الذي سيسلكه الاقتصاد في المستقبل. و غالبا ما يتم احتساب متوسط المؤشرات القيادية الاحدى عشرة أو تصنيفها لتزويد الاقتصاديين بتوقعات شاملة بشأن الوضع الاقتصادي، حيث يدل المؤشر الذي ينخفض أو يرتفع خلال ثلاثة أشهر متتالية على أن الاقتصاد يسير في اتجاه محدد.

أسئلة المراجعة

الواجب

[رأيك يهمنا. إذا كان لديك تعليق أو تصويب أو استفسار يتعلق بهذا الفصل يرجى إرساله على العنوان التالي comments@peoi.org .]

;الدرس السابق: نظرية كينز

 الدرس التالي: النقد